عندما نتحدث عن فئة المسنين، أو الشيخوخة في المجتمع، فإننا لا نتحدث فقط عن الأرقام، ولكن عن العديد من المواقف التي تجعل الأشخاص أكبر بكثير من أعمارهم. عند الحديث عن السياسات العامة المتعلقة بقضايا العمل أو الحياة، من المهم التفكير في كيفية تعزيز الاستعداد للشيخوخة وكيفية تنفيذ السياسات العامة ورفع مستويات جودة حياة كبار السن وحمايتهم المجتمعية.
يصادف عام 2020 الذكرى الثلاثين لليوم الدولي لكبار السن. وقد شهد هذا العام أيضًا ظهور جائحة كورونا التي تسببت في حدوث اضطرابات في جميع أنحاء العالم. وحددت المؤسسات الصحية أن كبار السن هم الشريحة الأكبر التي تتعرض لخطر العدوى والمضاعفات والموت.
وبالتالي فإن هذا يعني مضاعفة الجهود وسرعة صناعة السياسات وتنفيذ الإجراءات التي تهدف لزيادة الوعي باحتياجات المسنين الخاصة وفي كل المجالات وخاصة الصحية والاجتماعية. وفي نفس الوقت هناك حاجة ماسة لتنفيذ شراكة واسعة تجمع بين المؤسسات الخاصة والعامة وخبراء المجتمع المدني ومقدمي الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية لوضع تصور عملي لحصر كافة المخاطر والتداعيات التي تجتاح هذه الشريحة الهامة والحساسة في المجتمع، لضمان حياة صحية وتعزيز التنمية الاجتماعية والاغاثية لهم.
علينا جميعا المبادرة والعمل على تعزيز منظومة الوعي بالاحتياجات المختلفة الخاصة بكبار السن سواء في داخل بيوتهم حيث فرضت جائحة كورنا في كل دول العالم بقائهم في عزلة عن الفضاء الحياتي العام، وبالتالي علينا التعامل مع كل من بلغ من العمر أكثر من 65 عام على أنه عزلته للحفاظ على حياته، وهذا يعني مضاعفتنا لإجراءات التأهب والاستجابة الفردية والجماعية على الصعيد الأسري والجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية وشبه الحكومية وحتى جهات الإغاثة الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية وكل المنظمات التي تعني بكبار السن؛ من أجل الحفاظ على نفسية وحيوية وحياة هذه الفئة من المجتمع.
ومنذ العام 1990 وحتى يومنا هذا عملت المنظمات الدولية ذات العلاقة على تنفيذ توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونحن في جمعيتنا قمنا بإقرار الرسالة والرؤية والأهداف التي تستهدف حماية كبار السن، حيث تعتبر منطقتنا من المناطق الأكثر كثافة بكبار السن مقارنة بدول العالم حيث هناك أكثر من سبعة ملايين شخص تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر حول العالم. ومن المتوقع ارتفاع هذه النسبة مع وجود التحديات الصحية الصعبة جرّاء جائحة كورونا.
ومن مجتمع لجميع الأعمار، إلى مجتمع واعٍ قادر على التعامل مع العمر والشيخوخة ومرورا بتوفير فرص حياة أفضل وحقوق أشمل لكبار السن، والوقوف في وجه التحديات والمعيقات لتعزيز دورهم في المجتمع، من خلال الاستفادة من خبراتهم ومواهبهم ومساهماتهم والمساواة في الحقوق بين كل فئات المجتمع و رفع مستويات قيم التعامل المجتمعي، بهذا يمكننا أن نتصدر المشهد بأن نذهب إلى مدونة حماية حقوق وحياة كبار السن، بمساهمة ومشاركة ودعم الجميع، وأنتم أهلا لذلك، وأن يتم اعتماد هذه المدونة كإحدى وثائق حقوق كبار السن.
كبار السن هم حكماء الكون، هم جواهر الحياة، هم ارث التجارب فالجميع سيصل إلى هذا العمر، فلنعمل جميعنا لكي يبقى المجتمع متألقا بأفكاره ومعاملاته الكريمة لكل أعمار المجتمع دون تمييز، لننشر الحب والتعاون تجاه هذه الفئة التي تستحق من الجميع الاحترام والتقدير والحماية والعون.
إننا هنا اليوم في اليوم العالمي لكبار السن، نلتقي معا لإقرار ما يمكننا تقديمه لهم من خلال مؤسساتنا وقدراتنا وإمكاناتنا كافة، ولنكن خلف شعار اليوم العالمي للمسنين والذين أصدرته الأمم المتحدة في هذا العام 2020 بعنوان "شيخوخة صحية"، هذه الصحة تعني كرامتهم، وكرامة مجتمع بأكمله، فلا خير في مجتمع يهمل كباره، أو يغض النظر عن إساءتهم أو استغلالهم أو ممارسة العنف ضدهم أو سوء نوعية حياتهم.
إن الشيخوخة غالبا ما ترتبط بالتغيرات الوظيفية الجسدية والنفسية الاجتماعية وتزيد التعرض للعزلة الاجتماعية والوحدة، فبأي حال سيكونون في حال تم إهمالهم أو عدم إغاثتهم معنويا وماديا وتخصيص وصناعة برامج اجتماعية وترفيهية لهم؛ لتحسين نوعية حياتهم والحفاظ عليهم من السقوط في الأمراض النفسية أو الأعراض الانسحابية مثل الأرق والقلق والاكتئاب وربما الوصول إلى مرحلة الانتحار.
إننا بحاجة إلى جيل الأبناء الذي يتحمل مسؤولياته عبر الانخراط في برامج تطوعيهم لخدمة الآباء والأجداد والأمهات، لينشروا الحب بينهم ويزرعوا الأمل ويحافظوا على الذكريات وبركة وجودهم بيننا.
إن التعاليم الدينية والقيم العربية الراسخة توفر خارطة الأمل والكرامة والحماية والصحة لهم.
قال تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، «سورة الإسراء: 23 - 24».
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما أكرم شاب شيخاً لسنه - أي في شيخوخته - إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه»،
وأخيرا علينا أن نبدأ بنهضة إعلامية تواكب هذا الحدث العظيم والاحتفالية بهذا اليوم الذي يجب أن نترجمه أفعالا ومبادئ وإجراءات حقيقية ملموسة تجاه كبار السن. لتتعانق الأيادي الرحمية والبيضاء لتصنع سنوات من حفظ حقوق كبار المجتمع وحكماء العقود التي مرت بنا وصنعوها بكل التعب والجهد والسهر دون كلل أو ملل لنصل إلى هذه اللحظة. فسلام على كل من شاب في روضة الأخلاق في مجتمع يسوده الاحترام وتوقير الصغير للكبير، فليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقَّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف ، وينْهَ عن المنكر، وسلام لكم جميعا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم
عبدالله بن عيسى السلطان
رئيس مجلس إدارة جمعية رُحماء لرعاية المسنين بالأحساء
2020-10-7م